سلام!

الفن عمل صعب لا يتعلمه المرء بين عشية وضحاها. إنه نتيجة حب أساسا للعمل ومواظبة على ممارسته بكل إخلاص وتفان وقد يأتي وقت جني الثمار قريبا أو بعيدا. كلما طال الانتظار ازداد الحرص على تقديم أحسن ما يمكن لأجل إرضاء المتلقي. وفي أغلب الأحيان يكون اليأس من الانتظار سببا في الفشل. وكلما تسرب الإحباط إلى النفس ازداد خطر الاستسلام للعادات السيئة لأن من أهم مزايا الفن أنه يشغلك بعمل مفيد يلهيك عن غيره من الأفكار السيئة التي لا تجر معها سوى المشاكل. يبدأ الفن موهبة نكتشفها حالما نحس بأن علينا أن نقدم شيئا لمن حولنا يكون سببا في حب الناس و رضاهم واحترامهم. وفي حال الكاتب الذي يعكس بكتاباته في أغلب الأحوال صورة مجتمعه فإنه في البداية يفرغ ما ثقل على كاهله من أفكار ويجد في ذلك متعة. لكن بعد ذلك يأتي العمل المضني وهو مراجعة ما كتب وتصحيح وتعديل ما يمكن. وقد يستمر في هذا شهورا. وإن كان محظوظا -وتدخل في إطار الحظ عوامل مختلفة منها المدينة الكبيرة والمال والوساطة و الإتقان- نشر كتاباته. فالمدينة الكبيرة تقدم خيارات جمة. والمال ييسر النشر الذاتي. والوساطة تقصر المسافة. وإتقان العمل أهمها لأنه يعني المتلقي خاصة. واليوم النشر في مأزق بين ما يطلبه المتلقي وما يعرضه الفنان. السوق تحكم وتقرر النوع. والنشر لم يعد كما كان عموما ذا رسالة. بل صار كغيره من أصناف التجارة الغرض منه الربح على حساب الكاتب في جل الأحوال. وبما أن الدول المتخلفة لا تشجع الفن والكتاب خاصة فإن الشبكة العالمية للمعلومات بديل جيد عن دور النشر وأسلوبها القديم. من هنا أتتني فكرة عرض بعض من كتاباتي المتواضعة على صفحتي الشخصية. أرجو أن تعجب زواري الكرام.
الكتابة تغري كثيرا من الناس وتضطر كثيرا. ولا يواظب عليها إلا القليل. لأنها في الحقيقة عمل مضن. وصنعة تطلب الإتقان. وفي عصرنا طغت الآلة على حياتنا اليومية ومال الكثير للاعتماد عليها ففقدوا القدرة على الكتابة الصحيحة. فتجد قلة تجيد الكتابة حقا. وهذه مأساة الحياة العصرية التي طغت عليها المادة. في تجربتي المتواضعة لكن الطويلة وجدت في القراءة والكتابة مجالا للترويح والتعبير عن نفسي. وبعد عشرين سنة من الكتابة والمراجعة المتواصلتين أخذت في نشر كتبي وفيما يتعلق بالطباعة فذلك شأن آخر وهنا أنصح المبتدئين بما يلي: تصحيح الكتاب جيدا وتنظيمه وتحضير الغلاف واحترام المقاييس واستعمال مقياس كتاب الجيب وطبع 500 نسخة التي لا يجب أن يتعدى ثمنها 400 دولار. الواجب هو تحضير الكتاب كاملا لأن المطبعة لا تهتم إلا بالطبع وقبل الطبع تعطيك أنموذجا لتصادق عليه وكما في الكتابة لا تتسرع وكن صبورا فقد حصلت على نسخ كتابي الأخير بعد ستة أشهر ولم أحتج فالخيرة فيما اختاره الله. وفيما يخص النشر فتلك حكاية أخرى. ستضطر للتضحية قبل أن ترى نتيجة عملك المضني واستثمارك المتواضع. يستنكف الناس عموما عن القراءة ويفضلون مشاهدة الصور والاستماع وهم يأكلون…كما راجت هذه الأيام أنباء مفتعلة عن قرب انقراض الكتاب الورقي الذي سيخلفه الكتاب الرقمي وشتان بين الإثنين والسبب الحقيقي يكمن في المنافسة التجارية والغاية هي الربح الأكبر بالاستثمار الأدنى. لكلا الكتابين الورقي والرقمي مزاياه لكن التعلق الشديد بالآلة أفقد الإنسان حريته وجعله عبدا لها ولذا نرى جيلا بكامله يعتكف في غرفة أمام الحاسوب وينغلق على نفسه في عالم افتراضي لا يمت بصلة للواقع. إن علماء اليوم وكتابه درسوا في كتب ورقية وأسدوا للإنسانية خدمات جليلة ولا يمكن لأحدهم أن ينكر فضل الكتاب الورقي خاصة في التربية والتعليم وقيمته المعنوية قبل المادية في بيوتنا ومكتباتنا. أعجب حقا لمن يمضي حياته يدرس العربية مثلا ولا يأتي ولو بكتيب لتعليم العربية أو تصحيح الأخطاء الشائعة أو قصة فيها عبر تنفع الشباب أو خلاصة تجارب مهنية أو غيرها. معظم الموظفين الذين أمضوا سنين يعطون الدروس لا يقدمون عملا علميا أو أدبيا أو فقهيا يخدم المصلحة العامة بل يضيعون ما تبقى من عمرهم في المقاهي الخانقة بدخان التبغ القاتل!

إن اللهجات تختلف من حارة إلى أخرى في كل دول العالم. ما أذكره وأمقته حقا أن معظم مدرسي اللغة العربية كانوا ومازالوا يلجئون للهجة في عجزهم المخجل عن التعبير بالفصحى. جلهم لجئوا لتعليم العربية لعجزهم عن تعليم غيرها. والنتيجة أمة تجهل لغتها التي يتفانى الأجانب في تعلمها. وتتعالى الأصوات المعادية للعربية ومعها القرآن داخلا وخارجا. ينادي السفهاء باستعمال اللهجات بديلا عن العربية اللغة الثانية للمسلمين من طنجة إلى جاكرطا. فأي منها ستجتمع عليها الأمة؟ إنهم يخدمون أعداء الأمة. فهذه الولايات المتحدة. و هذا الإتحاد الأوربي. فأين الأمة التي قال خليفتها للسحابة: “أمطري أو لا تمطري فإن خراجك سيأتيني” سيأتي علينا يوم نستورد فيه مدرسي اللغة العربية. سنعلم أية حيلة انطلت علينا حتى تخلينا عن لغتنا. إن لا أحد في العالم يقبل بمقارنة اللهجات بلغته. والكل يحترم لغته كلاما و قراءة و كتابة. لذلك فلا مجال لمقارنة العربية بلهجات محلية لا ترقى للعالمية التي بلغتها العربية منذ قرون خلت. المشكل يكمن في قلة الرجال الذين يحملون أمانة اسمها لغة القرآن. الحقيقة مرة. لأنني وجدتني في آخر اختبار اجتزته في الكلية مع مدرس عربية سكران ومدرسة فرنسية تمشط شعرها وتنظر في مرآة بدل أن تستمع إلي. ومعلوم أنه “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” هل هؤلاء السفهاء المذكورون آنفا يقارنون بالعلماء الذين يقرؤون القرآن ويدخلون في الإسلام عن علم لا تقليد وبعد ذلك يستميتون لتعلم اللغة العربية ويعتزون بها. مؤسف حقا أن يحترم كتابنا اللغات الأجنبية خوفا من أصحابها ويستهترون بالعربية كما يحلو لهم. رحم الله رجلا كان يقول: “والله إني لا أخاف على الإسلام من أعدائه ولكني أخاف على الإسلام من أدعيائه” إنهم يكرهون دين النظافة والعفة والأمانة والصدق لأنهم دون كل هذا في أسفل درك. أقول للسفهاء منا إنكم إذا تخليتم عن العربية فسيأتي الله بقوم خير منكم يحبونها. وتكونوا حينها في قمامة التاريخ…

الفن عمل صعب لا يتعلمه المرء بين عشية وضحاها. إنه نتيجة حب أساسا للعمل ومواظبة على ممارسته بكل إخلاص وتفان وقد يأتي وقت جني الثمار قريبا أو بعيدا. كلما طال الانتظار ازداد الحرص على تقديم أحسن ما يمكن لأجل إرضاء المتلقي. وفي أغلب الأحيان يكون اليأس من الانتظار سببا في الفشل. وكلما تسرب الإحباط إلى…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *